بنترست المتشرد _ أبوزيد عاش فى جناح ملكى وتوفى فى بالوعة الصرف
📁 آخر الأخبار

المتشرد _ أبوزيد عاش فى جناح ملكى وتوفى فى بالوعة الصرف

أبوزيد عاش فى جناح ملكى وتوفى فى بالوعة الصرف الصحى 

لا يمكن أن أنسى قط هذا الشاب المتشرد والمتسول المسكين, الذى عاش عشرون عامآ متشردآ داخل قصر شاسع,  وتوفى بشكل غريب جدا وعجيب, استوقفنى كثيرآ هذا الشاب المتشرد البسيط, الذى وبكل أسف هو متسول, لكنه كان يملك من الحكمة والحنكة ما جلعنى أنصت له كثيرآ,  بل أبكى معه وأجفف له دموعة,  خاصة وهو يوجه رسالة شديدة البأس لوالده,  الذى تركه عشرون عامآ وحيدآ ومتشردآ ومتخبطآ بين دروب الحياة المختلفة.

المتشرد
المتشرد _ أبوزيد عاش فى جناح ملكى وتوفى فى بالوعة الصرف.
المتشرد _ أبوزيد عاش فى جناح ملكى وتوفى فى بالوعة الصرف.
 تأرجح أبوزيد  فى الحياة  وهو فى مقتبل العمر,  ولاقى فيها من الأهوال والأحزان مالا يتحمله بشر,  كان قلب هذا الشاب يبكى قبل أن تبكى عيناه, خاصة  وهو يتذكر والده ومأساته وحياته وطفولته التى عاشها فى الشارع متشرد  يستجدى لقمة العيش,  فى الوقت الذى كان فيه أشقائه منعمين وسعداء,  كان لى مهمة خاصة مع هذا الشاب شديدة الدراما والحساسية والبأس, ولم أكن أنا وحدى الذى تأثر بحكايته,  ولكن بعد عرض الحلقة على التليفزيون,  كان هذا الشاب  المشرد هو حديث مصر كلها فى ذلك الوقت.

 ما حكاية هذا الشاب الذى يدعى أبوزيد,  وكيف عاش عشرون عامآ فى قصر شاسع متشردآ ,  وتوفى بشكل مفاجئ وغريب جدآ , ليبكى عليه الشعب المصرى كله, هيا بنا نتعرف على الحكاية,  ونسردها لكم,  كما سردها لى أبوزيد رحمه الله,  ونعرض لكم كواليس مالم يذاع أو ينشر, عن تسجيلى التليفزيونى معه ومادار بينى وبينه حلف الكاميرات.

الدخول الحذر إلى بهو القصر والمباغتة  فى السادسة صباحآ 

المتشرد
الدخول الحذر لبهو قصر الخديوى توفيق بحلوان.

بدأت الحكاية عندما علمت بوجود بعض المتشردين,  من أطفال الشوارع,  الذين اتخذوا من قصر الخديوى توفيق الكائن بمنطقة حلوان بجنوب العاصمة المصرية القاهرة , مصدر إقامة دائمة لهم,  مستغلين أن القصر مهجور وغير مؤمن وأبوابه مفتوحة للجميع,  رغم القيمة التاريخية والمعمارية لهذا القصر الفريد من نوعه,  الذى كان وجهة وقبلة السائحين والزائرين الأجانب فى خمسينيات القرن الماضى.

 وهو القصر الذى شدت على مسرحه كوكب الشرق السيدة أم كلثوم قصيدتها الخالدة الأطلال,  التى كتب كلماتها الشاعر الرقيق إبراهيم ناجى,  وهو القصر أيضآ الذى شهد تصوير أعظم أفلام السينما المصرية,  ومنها فيلم رد قلبى,  وغيرها من الأفلام,  لفت نظرى وتساءلت كيف تحول هذا القصر الفريد من نوعه إلى وكر للمتسولين والمتشردين والخارجين على القانون,  فقررت أن يكون لى مهمة خاصة داخل قصر الخديوى توفيق.

ورغم تحذير البعض لى,  من أن القصر ممتلئ بالمتشردين والخارجين على القانون,  وأن من المحتمل أن أتعرض لمكروه أو أذى,  إلا أننى كنت قد عزمت النية واتخذت قرارى , ووضعت خطة لدخول القصر,  حيث تلصصت النظر وحاولت الاختباء والسير ببطء شديد,  والتخفى هنا وهناك وأنا أعبر أبواب القصر المهجور,  متعمدآ أن أضع هؤلاء االمتشردين تحت عنصر المفاجأة,  لذا اخترت الدخول إلى القصر بعد الشروق مباشرة,  وبالتحديد فى السادسة صباحآوهو ماحدث بالفعل.

المفاجأة عند مباغتة المتشردين ورد فعلهم الغير متوقع 

المتشرد
مباغتة المتشردين ورد فعلهم الغير متوقع.

كنت متوقع أن ألقى هجومآ او رد فعل غير محسوب من قاطنى هذا القصر المهجور, كما أبلغونى بعض المحيطين بى من فريق إعداد البرنامج من الصحفيين,  وكما أبلغنى بعض سكان المناطق المجاورة,  ولكن العكس هو الذى حدث,  وجدت أطفال أبرياء,  وقد افترشوا بعض الملايات والأغطية على الأرض,  كى تحميهم من برودة الجو القارص,  وجدتهم نائمين فى سبات عميق,  وما أن شعروا بإضاءة الكاميرات والعدسات واقترابى منهم,  حتى فزع أحدهم وقد تعمد إبعاد وجهه عن الكاميرا, والغريب أن هؤلاء الأطفال الذين هم من المفترض أنهم متشردين ومتسولين وخارجين على القانون هم أنفسهم الذين ساعدونى.

 نعم,  ساعدونى بكل شهامة,  ولولاهم ما استطعت أن أستكمل أهم جزء فى الحلقة على الإطلاق, عقدت لقاءات سريعة معهم,  وكل واحد فيهم كان له قصة مؤلمة للغاية, ولكن القصة الأغرب والأسوء والأشد ضراوة,  كانت قصة أبوزيد,  لم يكن أبوزيد نائمآ معهم على الأرض,  فهو أكبرهم سنآ وأقدمهم وجودآ فى هذا القصر الموحش الكبير,  لذا كان أبوزيد مميز عنهم, فهو لاينام إلا فى الجناح الملكى,  نعم,  لا ينام إلا فى جناح الخديوى توفيق نفسه, هذا الجناح يعلوا سطح الأرض حوالى خمسة عشرة مترآ, ولا يوجد سلم يربط بين الأرض وبين هذا الجناح الملكى المرتفع جدآ.

 فقد تهالكت السلالم بمرور الزمن, وكان سؤالى لهؤلاء الأطفال المتشردين,  كيف يصعد أبوزيد إلى هذا الجناح,  قالوا لى  أنه يصعد له عن طريق التسلق واجتياز الصخور والأعمدة المتهالكة,  ابتسمت وقلت لهم, وكيف أصعد  أنا له الأن,  قالوا لى أنه لا يوجد أى حل , سوى أن أتسلق بنفسى  الصخور والأعمدة , مثل مايفعل أبوزيد,  ومثل ما يفعل هم عندما يريدون الصعود له, أخبرونى أنهم سوف يخبرونه بأننى موجود وأنه سوف ينزل لى من جناحه الملكى كى أعقد معه لقاء تليفزيونى,  ولا داعى لأن أصعد له خوفآ على حياتى.

مغامرة الصعود إلى الجناح الملكى كادت تكلفنى عمرى كله 

المتشرد
مغامرة الصعود والتسلق كادت تكلفنى عمرى لولا ستر ربنا.

  أصريت أن أصعد أنا لأبوزيد,  وكان إصرارى وتصميمى لا لشئ سوى كى أوضح للمشاهد حجم ما يعانيه هذا الشاب,  وأجسد أيضآ تليفزيون الواقع,  الذى كنت حريص دومآ أن أجسده فى معظم حلقات برنامجى مهمة خاصة,  ضحك الأطفال وشعرت فيهم بالسعادة والحماس البالغ,  وهم يؤكدون لى بأنهم سوف يساعدونى فى الصعود إلى أبوزيد, وبالفعل ساعدونى,  وأخذوا بيدى, كما هو واضح بالصورة,   بل ووفروا لى الحماية كى لا تنزلق قدماى.

ساعدنى الأطفال المتسولين على اجتياز الصخور والمسافات الشاسعة بين الصخور,  وكادت أن تنزلق قدماى بالفعل,   خاصة أن الحذاء الذى كان بقدمى لم يكن مخصصآ على الإطلاق لهذا التسلق المفاجئ, لأنه لم يخطر ببالى قط أن أتعرض لذلك,  ولكنها الظروف التى وضعتنى فى ذلك,  وفضولى وحرصى وإصراى أن أخوض التجربة بنفسى.

كنت حريص أن أرصد هذه التجربة بننفسى, وأرصدها أمام  العدسة التليفزيونية,  كى أنقل المشاهد نقلآ حيآ معى إلى قلب الحدث,  تجاوزت أكثر من ثلاثة معابر مرتفعة,  عبارة عن صخور ثقيلة متباعدة عن بعضها البعض  بمسافات طويلة جدآ,  كما هو ظاهر فى الصورة,  كان لابد أن أفتح حوض طويل,  وأن أكون حريصآ وحذرآ فى تقدير المسافات بين كل صخرة وأخرى, وهو ماحدث بالفعل وتم بنجاح,  حتى وصلت إلى كوريدور الجناح الملكى, حيث أبوزيد.

الدخول لأبوزيد لم يكن سهلآ على الإطلاق 

المتشرد
الدخول لأبوزيد لم يكن سهلآ على الإطلاق.

وصلت إلى النافذة العلوية التى تعلوا سطح الأرض حوالى خمسة عشرة مترآ,  واستطاع زملائى المصورين أن يصعدوا ورائى بنفس الطريقة السابق شرحها,  ثم دلفوا إلى الكوريدور وأخذوا بيدى,  كى أدلف أنا الأخر ورائهم,  لأكون قاب قوسين أو أدنى من الغرفة الملكية, كما توضح الصورة تمامآ, تلك الغرفة التى اختارها أبوزيد المتشرد كى تكون هى حجرته ومكان نومه ومعيشته.

 وتعمدت قبل لقائى بأبوزيد,  أن أقوم بعمل مقدمة من على الكوبرى الخشبى الذى ابتكره أبوزيد, فهى خشبة طولية تربط بين نافذة الحجرة الملكية وبين مكان حمامات القصر, تلك الحمامات ودورات المياه التى توجد فى الجهة المقابلة, ولكم أن تتخيلوا أن الشاب المتشرد الذى يدعى أبوزيد إذا أراد أن يقضى حاجته,  فلابد وأن يجتاز هذا الكوبرى الخشبى, وبالطبع فالخطورة بالغة, لأن الكوبرى على إرتفاع يتجاوز خمسة عشر مترآ عن سطح الأرض.

 نعم,  كوبرى خشبى شديد الخطورة, إذا انكسر هذا الكوبرى  أو تحطم  أو هوى لأى سبب,  سقط من كان  عليه فورآ, فهى خشبة طولية غير متوازنة تمامآ وهشة للغاية,  لا تتحمل سوى شخص واحد بأن يمر أو يقف عليها,  ولو اختل توازنه,  سقط فورا من على مسافة تفوق الخمسة عشرة مترآ,  تعمدت أن أقوم بعمل مقدمة وأنا واقف عليها وهو ماحدث بالفعل .

الكوبرى الخشبى كاد يهوى بى لولا ستر ربنا 

المتشرد
الكوبرى الخشبى كاد يهوى بى وربنا ستر.

للمرة الرابعة أو الخامسة يكون ستر الله حليف لى فى هذه المهمة الخاصة الشاقة جدا,  ونجحت بالفعل فى عمل هذه المقدمة السريعة من أعلى الكوبرى الخشبى,  الذى يربط بين الجناح الملكى وبين المبنى الأخر المقابل له , وهو المبنى المخصص لحمامات القصر ودورات المياه,  وبعد اجراء هذه المقدمة كان لقائى بأبوزيد,  كان لقاء محال أن أنساه. 


 لقاء تعذبت من أجل إجراءه, وتعرضت لمخاطر عديدة جدآ من أجل الوصول له, وحتى قبل لقائى بدقائق مع أبوزيد المتشرد, كنت أظن أنه متشردا, ولكن عندما قابلته شعرت أنه حكيم  الحكماء, وشخص تعرض لمأساه تقشعر لها الأبدان, وبنى أدم ذاق الهوان والذل والجحود,  بشكل قاسى للغاية يفوق كل الحدود.

لن يتسع المقام هنا كى أسرد لكم تفاصيل لقائى المهم للغاية مع أبوزيد, والذى نشرته كبرى مواقع الأخبار فى مصر وعلى رأسها موقع اليوم السابع الذى نشر كل التفاصيل, فقد كان لقاء أبكى المصريين جميعآ, وقد خصصنا له نظرآ لأهميته مقال أخر به كل التفاصيل بعنوان "غامرت ساعة ووصلتلى وأنا عشرين سنة مش عارف أوصل لنفسى"

الخاتمة
وهكذا فقد كانت هذه هى أجواء صعبة للغاية سبقت لقائى مع المتشرد أبوزيد, هذا الشاب الذى كنت أظن أنه متسول أو متشرد, ولكن بعد لقائى به, بل بمجرد اللقاء به وبداية كلامى معه, شعرت أننا نحن المتشردين عن حق, فهو شاب تعرض لمحنة عظيمة, وقصة  غريبة,  ربما لا تحدث سوى فى أفلام السينما فقط, لكنها حدثت فى الواقع مع هذا الشاب المسكين, الذى دفع حياته ثمنآ لها فيما بعد, والتى خصصنا لها مقال أخر نظرآ لأهميتها البالغة.


the homeless

الإعلامى أحمد رجب
الإعلامى أحمد رجب
الاعلامى أحمد رجب.. ضابط شرطة سابق بوزارة الداخلية .. ومقدم برنامج مهمة خاصة على شبكة قنوات الحياة .. كاتب مستقل ومفكر.. حاصل على درجة الماجسنير من كلية الحقوق جامعة القاهرة.. خريج كلية الشرطة عام 1998 .. له العديد من البرامج التليفزيونية الناجحة وأشهرها برنامج مهمة خاصة .. تكرم من العديد من المؤسسات الرسمية والتعليمية وابرزهم وسام جامعة بنها وجامعة القاهرة ومعهد الاسكندرية العالى للاعلام .. محاضر غير متقرغ فى بعض الجامعات وابرزهم الجامعة الامريكية بالقاهرة.
تعليقات